إقرار الرسمية في التصرفات العقارية و دوره في مواجهة الاستيلاء على عقارات الغير
بقراءة الفصل 417 من ق ل ع نجده ينص على أن الدليل الكتابي ينتج عن الورقة الرسمية أو العرفية غير أنه وفي إطار المعاملات العقارية فإن المشرع أولى للورقة الرسمية الأهمية القصوى واعتبارها ضرورية لتحقيق المعاملة، بل إنه لا يمكن تحقيق نتيجة من تصرف عقاري لا يرد في شكلية الكتابة ،ووفق ما تقتضيه ضوابط تحرير المحررات الرسمية ووعيا من المشرع بضرورة توفير الدليل الكتابي بهدف ضبط المعاملات العقارية وضمان حقوق الأفراد وحماية لحق الملكية من كل غصب أو استيلاء من دون سند قانوني مقبول.(اولا) ،لكن هذا الدليل حتى وإن كان رسمي فإنه قد يواجه بالطعن فيه وفق القانون في إطار تحقيق العدالة.(ثانيا)
أولا: رسمية التصرفات العقارية ودورها في التصدي للاستيلاء على عقارات الغير
وضع المشرع على عاتق كل من العدول و الموثق جملة من الالتزامات التي أوجب عليهما التقيد بها على أحسن وجه حتى تتحقق الغاية من توثيق التصرفات العقارية في المحرر الرسمي والمتمثلة في قطع الخلافات والمنازعات وضبط المعاملات وتحقيق الدور الفعال للعقار في التنمية عبر ضمان تداول الملكية العقارية.
وما لا يدع مجالا للشك أن الوثيقة الرسمية تحضي باهتمام تشريعي خاص، فالوثيقة العدلية بالمغرب لها قيمتها التاريخية والقانونية وذلك باعتبارها من وسائل الإثبات طالما أن إنجازها حصل وفق القواعد والشروط المحددة قانونا وتكتسب الوثيقة القوة الثبوتية بعد خطاب قاضي التوثيق عليها، أما النوع الثاني من المحررات الرسمية ،وهي التي يحررها الموثق، يتبين أن صياغتها تتسم بوحدة منهجية منضبطة لقواعد قانونية في إطار وحدة منهج الخطاب القانوني، حيث يلاحظ أن بنية الصيغ التي تحرر بها العقود التوثيقية لا تختلف رأسا عن بنية باقي صيغ الخطاب القانوني سواء كانت استشارة قانونية أو حكما أو قرارا قضائيين، مما يجعل الوثيقة سليمة من حيث الشكل و المضمون و تحقق الغاية منها.
فإقرار المشرع لرسمية التصرفات العقارية وفق المادة 4 من مدونة الحقوق العينية جاء في ظل جهود الحد من ظاهرة انتشار المحررات العرفية والتي يعاب عليها كثرة التزوير والتدليس فيها، كما أنها لا تحقق الضمانة المرجوة منها مما يجعلها عرضة للاستغلال في الاستيلاء على ملك الغير.
وكما بات معلوم فإنه من بين أسباب الاستيلاء على عقارات الغير تزوير المحررات خاصة العرفية، وحسب تشخيص وزارة العدل لظاهرة تبقى المحررات العرفية الأكثر عرضة للتزوير كالوكالة، خاصة وأن للأطراف الحرية الكاملة والمطلقة في اختيار نوع المحرر لإبرام عقودهم وتنتهي العملية بالمصادقة على توقيعهم أمام السلطات المختصة غير أن هذا النوع من العقود لا يكتسب الرسمية مما يجعله عرضة للطعن فيه وإثبات ما يخالفه بكل الوسائل الممكنة، بل في حالات يتجاوز الأمر ذلك بكثير من خلال تزويره واستغلاله في الاستيلاء على عقارات الغير، كما أنه لا يعكس في الغالب إرادة الأطراف.
ومن بين العقود العرفية التي استغلت في الاستيلاء على عقارات الغير نجد الوكالات، حيث يقوم المزور بتسجيل العقار باسمه بناء على وكالة أو محررات عرفية لا تعكس إرادة المالك الحقيقي للعقار، فبرغم من نص المشرع على ضرورة توثيق التصرفات العقارية في المحررات الرسمية أو الثابتة التاريخ ، إلا انه لم يدخل الوكالة التي يكون موضوعها تصرفا عقاريا ضمن هذه العقود مما جعلها سبب رئيسي في تفشي ظاهرة الاستلاء على عقارات الغير سواء كانت تتم داخل المغرب أو خارج التراب المغربي.
ونظرا للإشكاليات التي تطرحها هذه الوثائق على المستوى العملي ودورها الكبير في السطو على ملك الغير، ومنه عدم استقرار المعاملات العقارية واستحالة تحقق الأمن العقاري، فالأمرلا يتعلق بمحررات عرفية بل حتى الرسمية كالإراثات والشهادات اللفيفة فإنها تخضع جلها للتزوير من ذوي الأطماع للاستيلاء على عقارات الغير ولأجل تفادي استغلالها في أخذ أموال الناس بالباطل وعلى رأسها حق الملكية فإن وجب على المشرع إدخال الوكالة ضمن المحررات الواجب تحريرها في قالب بالإضافة إلى ضرورة ضبط كل أحوال الوثائق العدلية الأخرى، كالإرثات ورسوم الملكية وفي نفس الإطار كانت من بين اقتراحات اللجنة المكلفة بتتبع ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، أن يتم إنشاء سجل خاص بالوثائق كالوصايا والإرثات ورسوم الملكية.
ومن بين الإشكاليات التي تبقى مطروحة هو ضبط وتنظيم شهادة اللفيف العدلي ضبطا محكمانظرا لأنها الوسيلة الوحيدة المعمول بها في إثبات تصرفات ملكية العقارات غير المحفظة ولذلك وجب تقنين وتنظيم هذه الشهادة. فهذه الشهادة التي تعتبر من التراث الإسلامي القديم والتي تدخل في إطار الإشهاد الذي أمرنا به الله تعالى في قوله " اشهدوا ذوي عدل منكم " ،حيث يستعان ببينة من الاثنى عشر شاهدا وهو ما استغله البعض لصياغة حجج واهية ( ملكيات مزورة) معتمد في ذلك على شهود زور يشهدون بما لا يعلمون أو يعلمون و لا يشهدون بمهامهم.
ثانيا :سلبية الطعن بالزور على الرسمية في التصرفات العقارية
من بين الآثار المترتبة عن رسمية المحررات أن هذه الوثائق لا يمكن الطعن فيها إلا زورا أما المحررات العرفية فإنه يمكن الطعن فيها بالتزوير وإنكار الخط أو الختم أو الإمضاء أو البصمة ومنه فإن المحررات العرفية فإنه دعوى التزوير يلجأ إليها في المحررات الرسمية أما دعوى الإنكار تحضى المحررات العرفية، وبالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية نجده قد نظم دعوى الزور في الفرع السادس من الباب الثالث تحت مسمى " تحقيق الخطوط ودعوى الزور الفرعي" وذلك من الفصول 89 إلى 102 أما دعوى الإنكار في المحررات العرفية فقد تناولها ق ل ع في فصلين 419 و 431.
دعوى الزور في المحررات الرسمية والعرفية
ينص الفصل 351 من مجموعة القانون الجنائي أن " تزوير الأوراق هي تغيير الحقيقة فيها بسوء نية تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها فالقانون ويعرف التزوير على أنه تغير الحقيقة عمدا في محرر تغيير بقصد الأضرار بالغير ، وتطرق المشرع في الفصلين 352 و 353 من القانون الجنائي على التزوير الذي يرتكبه الموظف العمومي أو العدل أو الموثق أثناء قيامه بوظيفته أي عند تحريره لوثيقة، يعتبر تزويرا في محررا رسمي ويعاقب عليه مع ظرف التشديد.
وقد ميز المشرع بين دعوى الزور الأصلية وبين دعوى الزور الفرعية، فالأولى يرفعها مدعي الزور بصفة أصلية دون انتظار تمسكه بالمحرر المزور حيث يطلب خلالها الحكم بزورية المحرر حتى يستعمله الشخص الذي يحوزه فيما يعود بالضرر على المدعي وترفع دعوى الزور الأصلية وحدها ومستقلة وفق الإجراءات المتطلبة قانونا لرفع أي دعوى عادية وأمام المحكمة المختصة أما دعوى الزور الفرعية فهي ترتبط بدعوى أصلية وجودا و عدما وتقام أثناء النظر في الدعوى الأصلية والتي يقوم خلالها أحد الخصوم يتقدم محرر ثم يدعي الآخر بزورية هذا المحرر، إذ ينظر فيها نفس القاضي المعروضة عليه الدعوى الأصلية ليحكم فيها قبل الحكم في الدعوى الأصلية.
وتختلف مسطرة كل دعوى على حدة فترفع الدعوى الزور الأصلية أمام القضاء المختص وفق الإجراءات المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية من صفة وأهمية ومصلحة إضافة إلى المقال، حيث يطلب المدعي من المحكمة أن تكلف المدعي عليه بعرض المحرر موضوع الطعن بالتزوير أمامها حتى تتأكد من صحته أو عدم صحته ويقع عناء الإثبات على المدعي، فإذا امتنع المدعي عليه من تقديمه فإنها تقضي بعدم صحة المحرر، أما إذا قدم المدعي عليه المحرر وتسمك بصحته ،فإن المحكمة تسير في نظر دعوى التزوير وفقا للإجراءات القانونية، ولها أن تستعين بأهل الخبرة للتأكد من وجود تزوير في المحرر، إضافة إلى الدلائل التي يقدمها المدعي في النهاية تقضي المحكمة إما برفض دعوى الزور وصحة المحرر المطعون فيه، وإما قبول الدعوى وبطلان هذا المحرر وعدم الاعتداء به في الدعوى مرة أخرى وللمحكمة في هذه الحالة أن تحيل الملف على النيابة العامة لاتخاذ ما تراه مناسبا بشأن جريمة التزوير في محرر رسمي.
أما دعوى الزور الفرعية فإن مسطرتها تختلف حيث ترتبط بدعوى أصلية فيقوم أحد الخصوم بتقديم محرر يدعي بزورية ، ويلجأ إليه الخصم كنوع من الدفاع، عندما ما يتقدم خصمه بمحرر يبادر إلى إنكار ما جاء فيه، فتعمل المحكمة على اتخاذ الإجراءات بدعوى التزوير وتطلب منه تقديم الدليل على تزوير هذا المحرر وعدم صحته.
فإذا وجدت المحكمة أن المحرر سليم من الناحية الشكلية وأن مدعي التزوير ليس له أدلة كافية ولم يلجأ لهذا الادعاء إلا لهدف المماطلة وتأجيل النزاع، فإن المحكمة تقضي برفض الادعاء بالتزوير دون أن تستمر في النظر في الدعوى الأصلية.
أما إذا رأت المحكمة أن الادعاء بالتزوير سليم ويقوم على أساس جدي، تخبر المحكمة الخصم الذي قدم هذا المحرر ، إذا كان متمسكا به رغم وجود دلائل بزوريته فإذا تنازل عنه الخصم استبعدته المحكمة ولا تعتد به في الدعوى المطروحة كأن لم يقدم إليها من اصله.
أما إذا تمسك الطرف الذي قدم المستند فإن المحكمة توقف نظر الدعوى الأصلية في هذه الحالة وتستمر في نظر دعوى الزور الفرعية حيث يتم الفصل فيها، إما برفضها وصحة المحرر أو بقبولها وإثبات زورية المحرر وإبعاده عن الخصومة.
ولاشك أن التزوير في المحررات الرسمية يعد أخطر المعضلات التي تواجه رسمية التصرفات العقارية ويبدو ذلك جليا في ظل تزوير الوكالات والإرثات والوصايا ... بهدف استغلالها في السطو على عقارات الغير، وهو ما جعل وزارة العدل من خلال تتبعها لاستيلاء على عقارات الغير بالتفكير في إنشاء سجل خاص بالوصايا و الإرثات.
الإنكار في المحررات العرفية
بعد صدور م ح ع ،والتضييق من المحررات العرفية في المعاملات العقارية واعتماد الرسمية وفق المادة (4) من م ح ع ،إلا أن المحررات العرفية ظلت موجودة ضمن المعاملات العقارية وأخص بالذكر هنا الوكالات العرفية والتي غالبا تعتبر الوسيلة الأخطر والأكثر استعمالا للاستيلاء على عقارات الغير ،وبالرجوع إلى ق م م نجده ينص على إجراء مختلف عن دعوى الزور إذا تعلق الأمر بالطعن في صحة المحررات العرفية، ويتعلق الأمر بمسطرة تحقيق الخطوة وتهدف هذه المسطرة إلى التحقيق من المحررات العرفية التي ينكرها الخصم أثناء الدعوى.
ويتم هذه المسطرة عبر مقارنة المحررات العرفية مع بعض المستندات:
التوقعات على سندات رسمية
الكتابة أو التوقعات التي سبق الإقرار بها
القسم الذي لم ينكر من السند موضوع تحقيق الخطوط
ويقوم القاضي بالتأثير على المستندات التي وقع مقارنتها وفق الفعل 10 من ق م م ويؤشر القاضي على المستند وذلك تمهيد لبداية تحقيق الخطوط.
وتأسيسا على ما سبق ورغم وجود تزوير في المحرر الرسمي أو العرفي فإنه في حالات كثيرة إذا ما وقع التسجيل التصرف العقاري بالرسم العقاري من حسن النية فإنه لا مجال من التمسك بزورية المستند أو الوكالة.
وفي نظرنا لا بد من التعديل الفقرة الثانية من مدونة الحقوق العينية والفصل 66 من ظ ت ع لسد الباب أمام استعمال لزورية في التصرفات العقارية
تعليقات
إرسال تعليق