القائمة الرئيسية

الصفحات

دور توثيق التصرفات العقارية في التصدي على الاستيلاء على عقارات الغير

               دور توثيق التصرفات العقارية في التصدي على الاستيلاء على عقارات الغير

دور توثيق التصرفات العقارية في التصدي على الاستيلاء على عقارات الغير


أمام التطورات  المستمرة  التي  تعرفها  الحياة الاقتصادية والاجتماعية وما واكب ذلك من تقدم في مجالات التنمية وتشجيع الاستثمار، وفي ظل ما يلعبه العقار من دور في التنمية والاستثمار وأمام تعدد المعاملات العقارية كان من البديهي تواجد مؤسسة أو نظام قادر على حماية حقوق المتعاملين وضمان استقرار معاملاتهم العقارية.

ولاشك أن التوثيق هو المؤسسة المخولة لها ذلك من خلال إضفاء الرسمية على المعاملات العقارية من خلال توفير الحجية اللازمة لتصرفات المتعاملين مما يجعلها محصنة من كل إخلال، وأمام استفحال ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، وذلك عن طريق التزوير في المحررات الرسمية  والعرفية فإن جهات التوثيق باتت هي  الجهة المؤهلة لتحقيق حماية الأمن التعاقدي وتعزيز استقرار المعاملات العقارية في ظل تعدد المعاملات وسرعتها في مجال العقار.

دور مهن التوثيق في التصدي الاستيلاء على عقارات الغير

عرفت مؤسسة التوثيق بالمغرب تحولات وتطورات كثيرة ساهمت مباشرة في ظهور نظام توثيقي متعدد البنيان ومختلف الخصائص ، ومزدوج في تقسيمه من حيث الرسمية، ففي المعاملات  العقارية، برز توثيق متقارب في المهام مختلف في طرق الإنجاز هما التوثيق العدلي والذي كان يعتمد المرجعية الإسلامية عبر مختلف الأزمنة والتوثيق العصري والذي ظهر التعامل  بهفي الوقت الراهن  والذي أصبح قائم الذات وذلك بموجب قانون 09-32.

وقد ألزم المشرع المغربي على محرر العقد أن يكون مختصا بتحرير العقود الرسمية وأن يقوم بذلك في إطار اختصاصات مسندة إليه وذلك وفق مقتضيات الفصل 418 من ق ل ع  وكذا المادة الرابعة من م ح ع ويحدد قانونا التوثيق القانون رقم 09-32 والقانون رقم 03-16 الشكلية المتطلبة في الوثيقة الرسمية.

وأمام ما يلعبه التوثيق في المعاملات العقارية فإنه يبقى الجهة المخولة لها التصدي لاستيلاء على عقارات الغير، خاصة أن هذه الأخيرة تقوم على تزوير الوثائق والتدليس على المتعاملين فقيام الموثق والعدل إضافة إلى المحامي المقبول  للترافع أمام محكمة النقص بمهامهم وفق ما يتطلبه القانون يشكل تصديا للاستيلاء على عقارات  الغير وحماية لحقوق الأفراد.

أولا : فئة الموثقون :

تخضع مهنة التوثيق العصري للقانون رقم 09-32 الذي جاء بمقتضيات مهمة وذلك باعتبار أن الموثق يدخل ضمن خانة  محرري  الوثائق الرسمية، وذلك تماشيا مع مقتضيات الفصل 418 من ق ل ع بالإضافة إلى بعض مواد القوانين العقارية والتي  تنص على الرسمية في المحررات.

 ويجسد عمل الموثق خاصية المهام التوثيقية من خلال دوره في تحرير العقود التي تتميز بالقوة الثبوتية الحاسمة وذلك بهدف تنظيم المعاملات و الحفاظ على حقوق المتعاقدين بما يضمن حماية الأمن القانوني والأمن التعاقدي.

وفي ظل صعوبة المعاملات العقارية وتعدد القوانين المنظمة لها، فإن الموثق أصبح هو محور العملية التعاقدية، فهو ملزم منذ بداية العملية التعاقدية بإبداء النصح والإرشاد قبل تحرير العقد وإضفاء الرسمية عليه، في ظل ما بات يعرف بظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير  الذي يعتبر تزوير العقود أهم عوامل تفشي هذه الظاهرة، وفي إطار تعزيز ضمانات استقرار المعاملات ،وحماية الأمن التعاقدي والتصدي لكل استيلاء على ملك الغير، أصبح للموثق دورا  هاما وذلك من خلال توثيق المعاملات العقارية في قالب شكلي يضفي الرسمية عليها.

وتبدأ العملية التوثيقية عند الموثق بإبداء النصح والإرشاد لأطراف العلاقة التعاقدية وفق ما ينص عليه القانون رقم 09-32 والذي ينص في المادة 37 " يجب على الموثق إبداء النصح للأطراف  كما يجب عليه أن يتبين لهم ما يعلمه بخصوص موضوع عقودهم وأن يوضح لهم الأبعاد والآثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها " وهي مسؤولية ملقاة بمقتضى القانون وليس بمقتضى العقد. أضف على ذلك أن المحاكم المغربية تعتبر متشددة في احترام هذا الإجراء من طرف الموثقين فقد جاء في قرار لمحكمة النقض " يعتبر تقصيرا في أداء مهامه قيام الموثق بإبرام عقد تفويت أسهم شركة  مجهولة الاسم، دون إخبار أطراف العقد بالرهن على الأسهم المعنية وعدم تبصرهم بمدى نتائج العقد      

كما حكمت  المحكمة الابتدائية بمراكش بإدانة موثق لعدم إسداء النصح و الإرشاد لأطراف العقد عندما قضت:"..... فيما يخص المخالفة الأولى، فإنه بالرجوع إلى وثائق الملف وما صرح  به الموثق في غرفة المشورة تبين بأن هذا الأخير قد كان على علم بأن العقار موضوع الوعد بالبيع .... كان مثقلا بحجز تحفظي لفائدة صندوق الضمان العام ورغم ذلك لم يشير إلى هذا الحجز بالوعد بالبيع، وحيث إن ادعاء بأن المشتكي  كان على علم هو أيضا  بالحجز .... ما يتعين مؤاخذته  من أجل هذه المخالفة".

وعموما فإن الموقف ملزم بإبداء النصح والإرشاد والذي اعتبر، المشرع يدخل ضمن الالتزامات الملقاة عليه.

 لكن الأشكال يطرح حول كيفية إثبات الموثق أنه قام بتديم واجب النصح  و الإرشاد في مقابل إنكار الطرف الآخر؟

غالبا ما كان يقع الموثقون في صعوبة إثبات قيامهم بالنصح إلا أنه هذه الإشكالية دأب الموثقون على تضمينه في العقل كبند لإخلاء مسؤوليتهم وبعد تقديم النصح والإرشاد يتعين على الموثق عند تحريره للعقد احترام كل المقتضيات القانونية  حتى يتأتى العقد سليما وصحيحا وخالي من العيوب التي قد تمس من حجية في الإثبات ومنه أن يتضمن العقد الرسمي  كل البيانات الرئيسية تحت طائلة البطلان  وفق ما تقتضيه المادة 36 و من ق 09-32. 

ويكون  العقد باطلا إذ لم يذيل بتوقيع طرفيه وعلى الموثق أن يوقع على العقد فور  انتهاء الأطراف من التوقيع عليه وإلا فإنه لا يكتسب الرسمية.

وأمام استفحال ظاهرة استيلاء على عقارات الغير أصبح الموثق ملزما أكثر من أي وقت مضى من التأكد من هوية الأطراف ومكان إقامتهم وولادتهم وجنسيتهم ومهنتهم  و إذا ما كانت هذه   الوثائق مزورة أو أن تكون لا تدخل ضمن دائرة التعامل.

ويلزم القانون  الموثق بالتأكد من وضعية العقار سواء كان محفظ أو غير محفظ ، فإذا كان محفظ فعليه التحقق من رسمه العقاري ومن كل التقييدات الواردة عليها وكذا الرهون التي تثقله أما إذا كان غير محفظ فهو ملزم بالتحقق من سند التملك  وتعينه عند تحرير العقد تعينا دقيقا مساحة ،حدود والمجاورين، كل هذا يجعل عملية التوثيق ليست بالأمر الهين الذي يمكن لأي كان القيام بها فالتوثيق لا يعني تحرير العقد فقط، لكن التوثيق يتجاوز ذلك بكثير وهو ضمان حقوق المتعاقدين و استقرار المعاملات وبالتالي المساهمة في  تكريس الأمن العقاري و التوثيقي.

وتأسيسا على ما سبق فإن للموثق دور هام في التصدي للاستيلاء على عقارات الغير من خلال التصدي لزورية الوثائق والمحررات خاصة الوكالات التي يتم تحريرها بشكل عرفي فتحقق الموثق من  وضعية العقارات موضوع التصرف وما إذا كان قابلا للتفويت أولا إضافة إلى إسداء النصح والإرشاد إضافة إلى هوية  الأطراف كاملة، وكذا السندات التي تستعمل في التصرف تجعل منها ضمانات  لحماية الملكية والمتعاملين وتحقيقا لأمن تعاقدي عقاري.

ثانيا فئة العدول:

يعتبر التوثيق العدلي محطة   التي عرفه المغرب عبر تاريخ عريق وممتد الجذور منذ قدوم الإسلام، كما يشكل دعامة  أساسية في منظومة العدالة من حيث إعداد وسائل الإثبات  والمتمثلة في الكتابة ، ناهيك عن دوره في التنمية العقارية في مجالات متعددة كما أنه يساهم في تحقيق العدالة الوقائية والأمن العقاري  التعاقدي.

ويخضع التوثيق العدلي للقانون رقم 03- 16 و في إطار هذا التعديل أصبح التوثيق العدلي  يخص بمكانة متميزة لكونه يجمع بين أحكام الإشهاد والكتابة وهو ما يعتبر ضمانة هامة للمتعاقدين، غير أنه  أصبح مطالبا بمواكبة تغيرات سوق الخدمة التوثيقية وذلك في ظل تراجع جودة المحررات العدلية مقارنة بنظرتها المحررات الصادرة عن الموثقين، فضعف الكفاءة والأهلية يعني بالضرورة ضعف الوثيقة.

وفي وقت تطور المعاملات العقارية وتعددها وتشعبها واستغلال ذوي الأطماع لعقارات الغير  لفائدة مصالحهم، جعل الأمر أكثر تعقيدا أمام العدول، فالاستيلاء على عقارات الغير والذي أضحى ممارسة متكررة تقوم على استغلال الثغرات التي يقع العدل فيها للوصول إلى اطماعه عن طريق تزوير : بطاقة الهوية، الوكالات، الإراثات، الوصايا ... وهي وثائق يعتمد عليها العدل لتحرير العقود.

فالوثيقة العدلية اعتبرت على مر العقود أحد أهم الركائز في التصرفات العقارية وإثباتها أمام القضاء خاصة رسوم الملكية، الإراثات الوصايا... فهذه العقود العدلية تشكل ضمانات هامة للمتعاقدين إلا انها في حالات كثيرة كانت تطرح عدة مشاكل جعلت معها ثقة المتعاملين تضعف، في ظل ما يقع  من تزوير وتدليس وتحايل من قبل الكثيرين، وذلك بهدف الاستيلاء على عقارات غيرهم،

 فعلى سبيل المثال ، فرسم الملكية الذي ينجزه العدل والذي يعتمد في إنجازه على اثني عشر شهيدا يعلمون علما يقينا بملكية العقار، لكن في حالات عديدة يتراجع بعض الشهود عن شهادتهم، مما  يضعفها أمام القضاء.

فالعدلان ملزمان قانونا اثناء تحرير الوثيقة من التحقق من مجموعة من البيانات وتضمينها بداية بهوية الأطراف المتعاقدة إلى تعيين المشهود فيه تعيينا كافيا.

 فإذا كان عقارا وجب تحديده تحديدا دقيقا، مساحة وحدودا وموقعا حتى لا يدع مجالا للشك أما إذا كان  محفظا فيجب أن يتم الإشارة إلى رسمه العقاري والتقييدات و التحملات الواردة عليه وفق ما نصت عليه المادة 31 من خطة العدالة ق 03-16.

كل هذه البيانات إضافة إلى خطاب قاضي التوثيق ورقابته للوثيقة العدلية تدخل في إطار العدالة الوقائية التي تهدف إلى ضمان حقوق المتعاقدين واستقرار المعاملات العقارية وحماية حق الملكية العقارية  في مواجهة الاستيلاء و غصب ملك الغير.

وفي  نظرنا أن العقود العدلية  تتميز بكونها تساهم في تحقيق العدالة الوقائية وضمانة هامة  أمام تشكل العقود المزورة والتي يستغلها أصحاب الأطماع للاستيلاء على عقارات الغير ومدام أن العدل هو أحد المختصين في تحرير الوثائق الرسمية فإنه يعتمد عليه في التصدي  للاستيلاء  على عقارات الغير.

ثالثا : المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض:

لقد سمحت مدونة الحقوق العينية ،ق : 09-38 للمحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض تحرير بعض التصرفات العقارية وذلك تماشيا مع نص المادة (4)  من م  ج   ع ويعتبر المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض من الفئات التي أولها المشرع إمكانية تحرير التصرفات العقارية، لكنه لا يدخل ضمن محرر العقود الرسمية، ولكن يتم تحريره في شكلية  مختلفة تتعلق بمحرر ثابت التاريخ وهذا الأخير الذي يعتبر عقدا ليس رسميا ،ويحرره المحامي المقبول للترافع لدى محكمة النقض وفق الشروط المعتبرة قانونا.

ويخضع المحرر الثابت التاريخ إلى شكلية خاصة جدا أهمها أنه يتم تصحيح الإمضاءات لدى كتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي يمارس المحامي في دائرتها.

غير أنه في حقيقة الأمر فإن مهام المحامي التحريرية لا تنسجم مع التصدي الحازم والفعال للاستيلاء على عقارات الغير نظرا للفوارق التي توجد بين الوثيقة الرسمية المحررة من طرف العدل أو الموثق وبين المحرر الثابت التاريخ الذي يحرر، المحامي  المقبول للترفع أمام محكمة النقض.

وتأسيسا على ما سبق وتماشيا مع المادة (4) من م   ج  ع والتي حصرت توثيق العقود التي يكون موضوعها معاملات  عقارية في العدل والموثقون والمحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض، قد أحسنت صنعا في اتجاه ضمانة أكثر لحقوق المتعاقدين وحماية أشمل لكل  التصرفات العقارية ،وذلك بمنطق التضييق  من جهات توثيق التصرفات العقارية وتنظيمها وضبطها  بما يتماشى مع تحقيق الأمن العقاري ويساهم بكل وضوع في الحد من الاستيلاء على عقارات  الغير.

وفي إطار التدابير التي تعمل وزارة العدل على اقتراحها ودراستها في مواجهة ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، تزويد مكاتب الموثقين والعدول بكاميرات تسجيل عملية  توثيق العقود، حتى لا يتسنى للمتعاقدين إنكارها فيما بعد، هذا المقتضى وإن كان مقبولا بالنسبة للموثقين فإنه لا يمكن اعتماده لدى العدول نظرا لتلقيهم الإشهاد خارج مكاتبهم ،كالمنازل والأسواق ، كما أنه لا ينسجم مع تحرير المحامي  للعقود مدام أن تصحيح الإمضاءات يتم خارج مكتبه وبكتابة ضبط المحكمة الابتدائية.

بالإضافة إلى مقترح الموثقون حول إحداث سجل خاص بالعقود كالوصايا و الوكالات و غيرها .

تعليقات