التمييز بين الحجز التحفظي العقاري و التقييد الاحتياطي
1) إن الحجز التحفظي العقاري يشترط لاستصدار أمر بشأنه أن يكون الحق المطالب به عبارة عن دين أو مبلغ من النقود أي عبارة عن حق شخصي، في حين أن التقييد الاحتياطي لا يجوز القيام به إلا إذا كان طالبه يدعي حقا عينا على عقار محفظ ، بحيث يمكن لطالب التقييد الاحتياطي الذي تعذر عليه تقييد حقه تقيدا نهائيا أن يطلب التقييد الاحتياطي قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض في العديد من قراراتها .
2) إن الطلب إلى إجراء الحجز التحفظي العقاري تهدف إلى منح الحاجز الأسبقية في استيفاء دينه على بقية الدائنين العاديين من ثمن بيع العقار المحجوز، أما المبادرة إلى إجراء التقييد الاحتياطي فالهدف منها هو الاحتفاظ المؤقت من رتبة الحق العيني المطلوب تقييده بالرسم العقاري.
3) إن الحجز التحفظي قد يتحول إلى حجز تنفيذي على العقار المحجوز، حيث تتخذ الإجراءات المقررة لبيعه عن طريق المزاد العلني وفقا للمقتضيات المقررة في الفصول 214 وما يليها من مدونة الحقوق العينية وكذا مقتضيات الفصول 469 وما يليها من قانون المسطرة المدنية، أما التقييد الاحتياطي فقد يتحول إلى تقيد نهائي وبات، إذا قضت المحكمة المعروض عليها النزاع بصحة الحق المطالب به والمقيد احتياطيا، أم إذا ما قضت المحكمة بعدم صحة الحق المطالب به، فإنه في هذه الحالة يشطب المحافظ على الأملاك العقارية على التقييد الاحتياطي بطلب من المالك المقيد بالرسم العقاري.
رغم الفوارق الجوهرية بين الأهداف التي قرر من أجلها مؤسسة الحجز التحفظي ومؤسسة التقييد الاحتياطي، فقد يتخذ بعض الأشخاص من الحجز التحفظي العقاري وسيلة لغل يد المالك المحجوز عليه من التصرف في ملكه لمدة من الزمن قد تطول أو تقصر، الأمر الذي ينعكس سلبيا على دخول العقار في الدورة الاقتصادية للبلاد وبلوغ الغاية الأساسية من العقار إلا وهي تحقيق التنمية في جل أبعادها، وما يزيد الأمر تعقيدا هو أن المشرع المغربي كما سبقت الإشارة إلى ذلك أنه لم يحدد أجل قانوني يتعين على الدائن الحاجز داخله التقدم بدعوى في الموضوع من أجل الاستصدار الحكم الذي يبين الحق ، كما أن المحافظ على الأملاك العقارية يمنع عليه تقييد أي حق أخر بعض تقييد محضر الحجز التحفظي .
وترتيبا على ما سبق فإن التساؤل المطروح في هذا السياق، يتعلق بمدى إمكانية السماح للمشتري الجمع بين مسطرتي الحجز التحفظي المنصوص عليها في القانون المسطرة المدنية والتقييد الاحتياطي لضمان الجزء من الثمن أو كله الثمن الذي تم دفعه للبائع، وبين مسطرة التقييد الاحتياطي لضمان الحق العيني الذي يمكن أن يقضي القضاء بصحته من خلال مسطرة إتمام إجراءات البيع المرفوعة ضد البائع، أي بعبارة أخرى فهل سلوك المشتري لمسطرة التقييد الاحتياطي بناء على مقال للدعوى لضمان الحق العيني تمنعه من سلوك مسطرة الحجز التحفظي لضمان الثمن الذي تم دفعه في حالة عدم استجابة القضاء لمقال الدعوى العينية أعلاه؟ ، فإن المشتري بصفته دائنا للبائع بملغ الدين المتمثل في تسبيق جزء من الثمن أو كامل الدين يحق له إيقاع الحجز التحفظي على العقار المبيع ضمانا للدين المذكور، وأن امتناع البائع عن إتمام البيع، أو التراجع أو التراخي في تقييد عقد البيع بالرسم العقاري من أجل نقل الملكية للمشتري، يخول طبعا للمشتري رفع دعوى ضد البائع من أجل تنفيذ التزامه العقدي طبقا للفصل 67 من قانون التحفيظ العقاري، مع إمكانية تقييد هذه الدعوى تقييدا احتياطيا ، للحفاظ مؤقتا على الحق العيني الذي يمكن أن يعترف به القضاء، أو لا يعترف به حسب خصوصية النازلة وطبيعة الالتزامات العقدية المقابلة للطرفين، ومن تم فإن القول بحرمان المشتري من إمكانية الجمع بين مسطرتي التقييد الاحتياطي والحجز التحفظي، لا ينسجم مع النصوص والمقتضيات التشريعية المنظمة لأحكام الحجز التحفظي العقاري التي تجيز للدائن سلوك هذا التقييد المؤقت لضمان مبلغ مالي على وجه التقريب .
إلا أن القضاء صار على خلاف ذلك في العديد من قراراته ، إذ اعتبر أن دعوى إتمام إجراءات البيع تبقى دعوى عينية ويمنع على المحافظ على الأملاك العقارية تقييد حجز تحفظي عقاري لضمان حق عيني متعلق بالرسم العقاري.
إلا أننا من منظورنا المتواضع نرى أن القضاء لم يكن صائبا حينما منع المشتري من إمكانية الجمع بين مسطرتي الحجز التحفظي والتقييد الاحتياطي، إذ يمكن للمشتري رفع دعوى أصلية يطالب من خلالها بإتمام إجراءات البيع، وفي نفس الوقت يحق أن يلجأ إلى رئيس المحكمة المختصة في إطار الأوامر المبنية على طلب من أجل المطالبة بإيقاع الحجز التحفظي على العقار المبيع وذلك ضمانا لاستيفاء الجزء من الثمن المسبق أو الثمن كاملا في حالة تأديته من طرف المشتري، خاصة في حالة رفض طلب إتمام إجراءات البيع المرفوعة ضد البائع، ففي هذه الحالة قد يستعصى على المشتري الدائن استرجاع إذا ما تصرف البائع في العقار موضوع البيع ما دامت الملكية في حوزته.
ومن تم فإن حرمان القضاء للمشتري من الاستفادة من الحماية القانونية المزدوجة لحقه العقاري المختلط ذي الصفة العينية والشخصية يشكل قيدا قضائيا على ممارسة صاحب الحق للتقيدات المؤقتة المخولة إياه حسب اختياره .
وهو نفس الأمر الذي صار عليه المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا في إحدى قراراته ( - قرار محكمة النقض تحت عدد 710 المؤرخ في 10 مارس 2004 في إطار ملف مدني عدد 2002/1/1/4062 ) ، الذي اعتبر الحجز التحفظي العقاري كبديل للتقييد الاحتياطي، وذلك من خلال منطوق هذا القرار الذي جاء فيه:" إن الحجز التحفظي ليس بالضرورة أن يكون من أجل دين في ذمة المحجوز عليه وإنما قد يقع من اجل شيء أخر..."
والملاحظ من خلال القرار المشار إليه أعلاه أن محكمة النقض، أجازت إمكانية الجمع بين مؤسستي الحجز التحفظي و التقييد الإحتياطي، ونحن بدورنا نتماشى مع هذا الموقف، نظر للحماية المزدوجة التي توفرها كل من مسطرة الحجز التحفظي والتقييد الاحتياطي للدائن الحاجز، كما أن هذه الحماية تطمأن المستثمر المقرض من منح القروض في المجال العقاري، وهو على بينة من أمره، وهذه البينة راجعة بالدرجة الأولى للحماية التي توفرها كل من مؤسسة التقييد الاحتياطي والحجز التحفظي.
تعليقات
إرسال تعليق