القائمة الرئيسية

الصفحات

الجريمة و اركانها في القانون المغربي

          الجريمة و اركانها في القانون المغربي 




         

المبحث الأول : تعريف الجريمة

في جل التشريعات الحديثة لا تتضمن معظم قوانينها العقابية أو الجنائية تعريف دقيقا للجريمة ، و قد أدى اختلاف الفقه االمعاصر في تعريف الجريمة إلى ظهور اتجاهين : اتجاه شكلي ، واتجاه موضوعي و كل اتجاه له مبريراته
.1 ـ الاتجاه الشكلي :
يعتمد أنصار هذا الاتجاه في تعريفهم للجريمة على الربط بين الجريمة المرتكبة و بين القاعدة القانونية التي تحدد عقابها ، و يعرفون الجريمة على هذا الأساس بأنها : " كل فعل يجرمه القانون الجنائي " أو " كل نشاط او فعل أو امتناع عن فعل يجرمه القانون و يعاقب عليه ".

2 ـ الاتجاه الموضوعي
:
يعتمد فقهاء هذا الاتجاه و مناصروه في تعريفهم للجريمة على إبراز جوهرها او موضوعها باعتبارها اعتداء على مصلحة اجتماعية او مصلحة المجتمع ككل ، و يعرفون الجريمة على هذا الأساس بأنها " الواقعة ضارة بكيان المجتمع و أمنه والتي تسبب ضرر أو تحدث اضطرابا داخل المجتمع ".

و يستخلص من تعريف الجريمة سواء من وجهة نظر الاتجاه الموضوعي او الإتجاه الشكلي ما يلي :

ـ أنّ الجريمة تتجلى في السلوك الذي يمكن أن يكون فعلا إيجابيا يمنعه القانون الجنائي المغربي ، أو امتناعا يأمر به القانون،،

ذلك أن الجريمة يمكن أتتخذ شكلا إيجابيا عبارة عن فعل يجرمه القانون او شكلا سلبيا في امتناع يعاقب عليه القانون المغربي أو القوانين الأخرى .

ويلاحظ أنّ الجريمة بالمعنى المتقدم تمثل الجانب الموضوعي للمسؤولية الجنائية التي تقتضي وجود الجريمة و الجاني معا و إلا فلا يمكن تصور وجود جريمة

المبحث الثاني : أركان الجريمة.

تطلب القانون الجنائي المغربي لقيام الجريمة توافر أركان معينة ، وهي على نوعين :

1 ـ الأركان العامة للجريمة
التي تسري على كل الجرائم بوجه عام ، أيّا كان نوعها أو طبيعتها ، بحيث إذا اكتملت هذه الأركان قامت الجريمة تامة أو الشروع فيها تستوجب توقيع العقاب الذي حدده النّص الجنائي على الجاني . أمّا إذا لم يتحقق أحد هذه الأركان فلا تقوم الجريمة من الناحية القانونية و لا عقاب معه اذ لا عقوبة و لا جريمة الا بنص .

2 ـ الأركان الخاصة للجريمة
التي ينّص القانون عليها بالنسبة لكل جريمة على حده ، و هي أركان تختلف من جريمة إلى أخرى بحسب نوعها و طبيعتها و ظروفها. و الغرض من هذه الأركان أن تضاف إلى الأركان العامة لتحدد نوعها و طبيعتها . و الغرض من هذه الأركان الخاصة للجريمة : أن يكون المجني عليه حيا وقت إرتكاب جريمة القتل مثلا ، و أن يكون المرتشي موظفا عاما في جريمة الرشوة ، و أن يكون الشيء المختلس مالا منقولا مملوكا للغير في جريمة السرقة .

وقد اختلف الفقهاء بشأن تقسيم الأركان العامة للجريمة فيرى جانب من الفقه أنّ للجريمة ركنان اساسيان : ركن مادي و ركن معنوي، ومن الفقه من يرى أنّ للجريمة أركان ثلاثة : فيضيف إلى الركنين السابقين المادي و المعنوي الركن الشرعي .

و قد يكون مفيدا أن نفرض فيما يلي هذه الأركان الثلاثة ببعض من التفصيل ، على أن تخصص لكل ركن مطلبا مستقلا.

المطلب الأول : الركن المادي للجريمة .

يتمثل الركن المادي للجريمة في المظهر الخارجي لنشاط الجاني الذي هو عبارة عن السلوك الإجرامي الذي يكون منظا للتجريم و محلا للعقاب . ذلك أن قانون الجنائي المغربي لا يعاقب على النوايا الباطنية و الأفكار ، فلا يعاقب القانون الجنائي مثلا على مجرد التفكير في ارتكاب جريمة ما . بل لابد أن يقترن هذا التفكير بنشاط مادي معين الذي يختلف من جريمة إلى أخرى حسب طبيعتها و نوعها و ظروفها .

و يتكون الركن المادي للجريمة بدوره من عناصر ثلاثة ، وهي :

أ ـ السلوك الإجرامي : و هو عبارة عن النشاط المادي الخارجي المكوّن للجريمة كالضرب بالعصا او باستخدام اسلحة و السبب في إحداث الضرر ، فهو عبارة عن حركة الجاني الاختيارية التي تحدث تأثيرا في العالم الخارجي ، أو في نفسية المجني عليه ،و تختلف طبيعة السلوك الإجرامي وشكله بحسب نوع الجرائم .

أولا : الاختلاف في طبيعة السلوك الإجرامي :

يمكن تجسيد الاختلاف في طبيعة السلوك الإجرامي بحسب نوع كل جريمة على حدة
ـ ففي جريمة السرقة مثلا يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل اختلاس مال منقول مملوك للغير
ـ و في جريمة القتل يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل إزهاق روح المجني عليه .
و يلاحظ إذا كانت الفائدة في القانون الجنائي وجوب توافر السلوك الإجرامي باعتباره فعلا ماديا ظاهر على النحو المتقدم بيانه إلاّ أنه يكفي لتحقق السلوك الإجرامي استثناء على هذه القاعدة في بعض الصور من الجرائم أن يكون فيها السلوك خفيا كما هو الحال في جريمة الاتفاق الجنائي ، أو في جريمة الاشتراك بطريق الاتفاق ، ليكون السلوك الإجرامي في هذا النوع من الجرائم عبارة عن وسيلة الاتفاق ، و هذا ما يستمد المساهمة او المشاركة الجنائية

و يلاحظ أيضا أنّ طبيعة السلوك الإجرامي تختلف باختلاف نوع الجرائم من جرائم وقتية و جرائم الاعتياد ، على النحو التالي :
ـ ففي الجريمة الوقتية ـ كجريمة السرقة مثلا ،يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل مادي يبدأ و ينتهي على الفور ، يتمثل في فعل اختلاس مال منقول مملوك للغير ويعلم يقينا أنه مملوك للغير
ـ وفي الجريمة الوقتية المتتابعة ـكجريمة إقامة المباني دون ترخيص أو رخصة ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن مجموعة أفعال متلاحقة تربط بينهما وحدة المصلحة و تفصل بينها فواصل زمنية تتوقف على ظروف الجريمة .
ـ و في الجريمة المستمرة ـ كجريمة إخفاء الأشياء المسروقة او جريمة امتلاك أسلحة بدون ترخيص ـ يكون السلوك الاجرامي نشاطا متجددا للحفاظ على هذه الحالة .
ـ و في الجريمة البسيطة ـ كجريمة الضرب أو الجرح او القتل ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل إجرامي واحد لا يلزم فيه التكرار أو الاعتياد.
ـ و في جريمة الاعتياد ،كجريمة تحريض القاصر على الفسق ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن تكرار عدة أفعال محظورة قانونا . بحيث لا يكفي وقوع أحدهما لقيام الجريمة .
ثانيا : الاختلاف في شكل السلوك الإجرامي :
يختلف شكل السلوك الإجرامي للمجرم حسب المرحلة التي يكون الجاني قد قطعها في مشروعه الإجرامي و حسب الدور الذي يقوم به .
أمّا عند اختلاف شكل السلوك الإجرامي للمجرم بحسب المرحلة التي يكون قد قطعها في مشروعه الإجرامي مثل حيازة سلاح ناري بدون ترخيص لاستخدامه في قتل شخص معين ، فإنّ حيازة السّلاح يعتبر من الناحية القانونية عملا تحضيريا في جريمة القتل و لا عقاب عليه . و مع ذلك يشكل فعل حيازة السلاّح في حد ذاته الركن المادي في جريمة حيازة السّلاح بدون رخصة . و يفيد الاختلاف في شكل السلوك الإجرامي للمجرم بحسب المرحلة التي يكون قد قطعها في مشروعه الإجرامي في بيان ما يعد من قبيل الأفعال التحضيرية التي لا يعاقب عليها القانون الجنائي .

و أمّا عن اختلاف شكل السلوك الإجرامي للمجرم بحسب الدور الذي يؤيده على مسرح الجريمة، فإنه يفيد في بيان ما إذا كان المجرم فاعلا أصليا في الجريمة أم مجرد مشارك او مساهم فيها : فمن يطعن المجني عليه بالخنجر حتى يموت يعد فاعلا أصليا في الجريمة بحكم سلوكه الإجرامي فيها ، و من يحرض غيره على الطعن دون أن يمسك بالخنجر يعتبر شريكا فيها بحكم سلوكه الإجرامي هذا لا فاعلا أصليا في القتل و لا شريكا فيه ، و لكن بشكل سلوكه الإجرامي هذا جريمة مستقلة تتمثل في إخفاء الجاني الفار من العدالة
و يلاحظ أنّ هناك صورا من الأعمال التحضيرية للجريمة ، والتي لا تخضع بحسب الأصل للعقاب مهما سبق بيانه لأنها لا تعد سلوكا ماديا ، و مع ذلك نص المشروع صراحة على تجريم هذه الأعمال لخطورتها على سلامة المجتمع و أمنه ،

و الواقع أنّ المشرع إذ يجرم مثل هذه الأفعال و يعاقب عليها فهو في الحقيقة ينشئ جرائم مستقلة قائمة بذاتها ، و لا يعتبرها مجرد أفعال تحضيرية لا تخضع للعقاب .
و يلاحظ أيضا وجود ظروف نص عليها المشرع إذا صاحيت السلوك الإجرامي أو المادي من شأنها أن تشدد العقوبة أو تخفف منها بحسب الأحوال .
و ظرف الليل جريمة إتلاف المزروعات ،
و تعتبر ظرفا مخففا للعقوبة مثلا : أن يفاجئ أحد الزوجين زوجه في حالة التلبس بالزنا فيرتكب جريمة القتل ضد شريكه .
وعذر صغر السن فلا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشرة من عمره إلاّ تدابير الحماية ، وفي مواد المخالفات لا يكون محلا إلاّ للتوبيخ

ب ـ النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي : تعتبر النتيجة العنصر الثاني من عناصر الركن المادي للجريمة و يوجد مفهومان للنتيجة : و هما :

أولا : المفهوم المادي .
يقصد بالنتيجة في هذا المفهوم الأثر ، أو التغيير الحسي و الملموس ، الذي يحدثه السلوك الإجرامي في العالم الخارجي و لا يعد نتيجة إلاّ ما يقيد به القانون و ما يرتب عليه من نتائج بصرف النظر عما يمكن أن يحدثه السلوك الإجرامي من نتائج أخرى . و بذلك تكون النتيجة وفقا للمفهوم المادي النتيجة التي يتطلبها القانون لاكتمال الركن المادي للجريمة ، ففي جريمة القتل مثلا يتطلب القانون لاكتمال هذا الركن موت المجني عليه ، دون البحث في النتائج الأخرى التي تحدثها الجريمة كالخسارة أو الألم النفسي اللّذان يصيبان أهل القتيل.
و تقسم الجرائم أخذ بالمفهوم المادي إلى جرائم مادية يتطلب ركنها المادي وجود نتيجة ، كجريمة القتل و جريمة الضرب ، وجرائم شكلية لا يتطلب ركنها المادي وجود نتيجة كجريمة شهادة الزور ، و جريمة ترك و إهمال الأطفال
ثانيا : المفهوم القانوني.
يقصد بالنتيجة في هذا المفهوم ما يسببه السلوك الإجرامي من ضرر أو خطر يصيب أو يهدد مصلحة محمية قانونا . فيجب أن تكون لكل جريمة نتيجة ، فتكون النتيجة في الجرائم المادية كجريمة القتل عبارة عن العدوان على الحق في الحياة ، و تكون النتيجة في الجرائم الشكلية كجريمة ترك الأطفال للخطر ، عبارة عن خطر يهدد مصلحة محمية قانونا.

و قسم الجرائم أخذا بالمفهوم القانوني إلى جرائم ضرر كمقابل للجرائم المادية ، و جرائم خطر كمقابل للجرائم الشكلية .

و لعل أنّ السبب في ظهور المفهومين المتقدمين يرجع إلى أنّ النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي قد يكون لها مظهر خارجي ملموس مثل إزهاق روح إنسان في جريمة القتل ، و نزع حيازه المنقول من مالكه في جريمة السرقة ، و قد لا يكون لهذه النتيجة مظهر خارجي ملموس كالامتناع عن أداء الشهادة . و هو السبب الذي أدى إلى تقسيم الجرائم في نطاق النتيجة الضارة المترتبة على السلوك الإجرامي و من حيث الضرر أو الخطر الذي تحدثه إلى جرائم ذات ضرر مؤكد و أغلب الجرائم من هذا النوع كجرائم القتل و السرقة و القذف التي يلحق الضرر فيها بالحق الذي يحميه القانون إلى جرائم ذات خطر أو ضرر محتمل و هي جرائم لا يستلزم القانون لتحقق النتيجة فيها وقوع ضرر بالفعل بل يكفي مجرد الخطر ، فيمثل هذا الخطر النتيجة فيها وقوع ضرر بالفعل بل يكفي مجرد الخطر ، فيمثل هذا الخطر النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي ، و مثل هذه الجرائم جريمة الاتفاق الجنائي .

و لا خلاف في أنّ النتيجة المترتبة عن السلوك الإجرامي حقيقة قانونية تتميز عن الضرر المادي، و تتمثل في ضرر معنوي يعتدي به على حق يحميه القانون ، ففي جريمة القتل تكون النتيجة الضارة فيه الاعتداء على حق الإنسان في الحياة و هو حق يحميه القانون . و في جريمة امتناع الشاهد عن الحضور أمام المحكمة تكون النتيجة الضارة عبارة عن الاعتداء على حق المجتمع في الاستعانة بأي فرد من أفراده في استجلاء الحقيقة .

و يلاحظ أنّ كل جريمة ينتج عنها ضرر عام و ضرر خاص ، أمّا الضرر العام فهو ضرر مفترض يصيب المجتمع ككل يفرض له القانون عقابا لمن يكن السبب في إحداثه ففي جريمة القتل مثلا بسبب فعل إزهاق روح المجني روح المجني عليه اضطرابا في أمن المجتمع و كيانه فيضع القانون عقوبة توقع على يقوم بتحقيق هذه النتيجة التي تضر بالمجتمع. و أمّا الضرر الخاص فهو الضرر الذي يصيب المجني عليه أو أقاربه بحسب الأحوال . ففي جريمة القتل مثلا يتمثل الضرر الخاص في حرمان المجني عليه من الحياة . و قد يكون الضرر الخاص ماديا كما في جريمة السرقة ، و قد يكون معنويا كما في جريمة القذف و السبب بالنظر إلى ما تسببه هذه الجريمة من الألم نفسية للمجني عليه ، و قد يكون الضرر محققا كما في جريمة القتل التامة ، و قد يكون محتملا كما في الشروع في الجريمة.

و يلاحظ أيضا أنّ القانون يستلزم في بعض الجرائم توافر الضرر كركن لا تحقق الجريمة ، و مثال ذلك أن يقع تزوير في محرر دون أن يعقب ذلك استعمال هذا المحرر و من ثمّ لا يتحقق الضرر و لا تقوم الجريمة .
جـ ـ علاقة السببية التي تربط بين السلوك الإجرامي و النتيجة :
لا يكفي لقيام الركن المادي للجريمة أن يصدر سلوك إجرامي عن الجاني و أن تحصل نتيجة ضارة . بل لابد أن تنسب هذه النتيجة إلى ذلك السلوك أي أن يكون بينهما علاقة سببية .
و يقصد بالسببية إسناد أمر من أمور الحياة إلى مصدره ، و الإسناد في النطاق الجنائي على نوعين إسناد مادي و إسناد معنوي ، و يقتضي الإسناد المادي نسبة الجريمة إلى فاعل معين ، و يقتضي الإسناد المعنوي نسبة الجريمة إلى شخص متمتع بالأهلية المتطلبة لتحمل المسؤولية الجنائية ، و لا يعتبر الشخص متمتعا بهذه الأهلية إلاّ إذا توافر لديه الإدراك و حرية الاختيار ، تنتهي المساءلة الجنائية باختفاء أحدهما.
و لا يثار أي إشكال في علاقة السببية بين السلوك الإجرامي و النتيجة ، إذا كان الفعل الذي أتاه الجاني هو سبب تحقق النتيجة كأن يطلق الجاني النار على المجني عليه فيرد به قتيلا ، فإنّ السبب في مثل هذه الحال بين السلوك الإجرامي المصدر الوحيد و النتيجة واضحة لا غموض فيها . و لكن الإشكال يثار إذا تداخلت أسباب أخرى في إحداث النتيجة الضارة إلى جانب نشاط الجاني ، و قد تكون هذه الأسباب سابقة على الفعل الجرمي مثل اعتلال صحة المجني عليه ، و قد تكون معاصرة للفعل الجرمي مثل اعتداء آخر على المجني عليه في نفس الوقت الذي يحصل الاعتداء بين الجاني، وقد تكون تلك الأسباب لاحقة للفعل الجرمي كأن يطلق الجاني عيارا ناريا يصيب به المجني عليه الذي لا يقتل على الفور بل بتراخي الموت لفترة طويلة قد تتدخل فيها عوامل أخرى مثل خطأ الطبيب في علاج المجني عليه أو إهمال هذا الأخير في العلاج ، الأمر الذي يثير التساءل عن الدور الذي لعبته هذه العوامل في إحداث النتيجة و بالتالي تأثيرها على علاقة السببية بين الوجود و العدم.
و قد قيلت في هذا الخصوص عدة نظريات نفرضها بإيجار فيما يلي :
أولا : نظرية تعادل الأسباب.
يرى أنصار هذه النظرية أنّ جميع العوامل التي تتدخل في إحداث النتيجة متعادلة . ولكن يمكن الرجوع إلى العامل الأول و الأساس الذي جعل الأمور تسير إلى ما انتهت إليه من نتيجة و العامل الأول هو فعل الجاني الذي وقع منه ابتداء ، ومن ثمّ يسأل عن النتيجة الضارة التي وقعت أيا كانت النهاية سواء كانت هذه العوامل سابقة أم معاصرة أم لاحقة لنشاطه الإجرامي .
ثالثا : نظرية السبب المباشر أو الأقوى .
يرى أنصار هذه النظرية أنّ الجاني يسأل عن النتيجة الضارة التي أحدثها إذا كانت متصلة اتصالا مباشرا بفعله أو سلوكه الإجرامي ، أي يجب أن يكون نشاط الجاني هو السبب الرئيس أو الأقوى في إحداث النتيجة الضارة . ذلك أنّ قيام علاقة السببية تستلزم نوعا من الاتصال المادي المباشر بين السلوك الإجرامي للجاني و النتيجة الضارة . أمّا العوامل الخارجية فتعد عوامل ثانوية أو مساعدة فحسب.
العوامل التي تدخلت معاصرة كانت للسلوك الإجرامي أو لاحقة عليه ، و يصرف النظر عما إذا كانت هذه العوامل نادرة الحصول أم عادية ، و مهما كان مصدرها فعل الطبيعة أم فعل المجني عليه أم فعل أي إنسان آخر ذلك أنّ نشاط الجاني هو العامل الذي جعل حلقات الحوادث بعد ذلك ، فلولا سلوك الجاني لما حدث تلك النتيجة النهائية ، و بذلك تقوم المسؤولية الجنائية كاملة :
و لا يسأل الجاني إذا كانت النتيجة الضارة واقعة لا محالة بصرف النظر عن فعله ، فلا يسأل الجاني عن النتيجة متى كان من المؤكد أنّها ستحدث حتى و لو لم يقع الاعتداء على المجني عليه ‘ فإذا تبين أنّ المجني عليه فارق الحياة بسبب السكتة القلبية قبل الاعتداء عليه . فلا يسأل الجاني لأنه لم يترتب على فعله بتسلسل الحوادث التي تؤدي بدورها إلى النتيجة الضارة.
ثانيا : نظرية السبب الملائم .
يرى أنصار هذه النظرية أنّ تقرير مسؤولية الجاني الجنائية متوقف على ما إذا كان السلوك الإجرامي الذي أتاه يصلح وفقا للمجرى العادي للأمور أن يكون سببا ملائما أو مناسبا لحدوث النتيجة الضارة . فإذا تدخلت في إحداث النتيجة الضارة عوامل شاذة غير مألوفة بحسب المجرى العادي للأمور فإنّ العلاقة السببية بين السلوك الإجرامي و النتيجة تنتفي و لا تقوم مسؤولية الجاني الجنائية . فلا يسأل الجاني عن الوفاة إذا أحترق المجني عليه بسبب نشوب حريق بالمستشفى يعد من الأسباب الشاذة نادرة الحدوث و يسأل الجاني فقط عن الشروع في القتيل حسب الظروف . فلا مسؤولية للجاني عن العوامل الجنبية التي تتوسط بين فعله أو سلوكه الإجرامي و بين النتيجة .
و يلاحظ أنّ الراجح ـ و في غياب نص قانوني يضع حلا للخلاف القائم بشأن توافر علاقة السببيةـ أن يترك أمر تقدير توافرها لقاضي الموضوع لتعذر وضع قاعدة مجردة و مطلقة في هذا الخصوص.

المطلب الثاني : الركن المعنوي .

لا يكفي لتقرير المسؤولية الجنائية أن يصدر عن الجاني سلوك إجرامي ذو مظهر مادي بل لابد من توافر ركن معنوي الذي هو عبارة عن نية داخلية أو باطنية يضمرها الجاني في نفسه .

و  يتخذ الركن المعنوي إحدى صورتين أساسيتين :

٠ صورة الخطأ العمدي : أي القصد الجنائي ،
٠صورة الخطأ غير العمدي :أي الإهمال أو عدم الحيطة .
و لنفرض فيما هاتين الصورتين ببعض من التفصيل.
أ ـ القصد الجنائي :
لا يتضمن القانون الجنائي المغربي تعريفا للقصد الجنائي ، و قد تعددت تعريفات الفقه له ، نذكر فيما يلي أهمها .
ـ القصد الجنائي هو : " علم الجاني بأنه يقوم مختارا بارتكاب الفعل الموصوف جريمة في القانون ، و علمه أنه بذلك يخالف أوامره و نواهيه ".

ـ القصد الجنائي هو : " توجيه الفعل و الامتناع إلى إحداث النتيجة الصادرة التي تتكون منها الجريمة".

ـ القصد الجنائي هو :" إرادة الخروج على القانون يعمل أو امتناع ، أو هو إرادة الإضرار بمصلحة يحميها القانون الذي يفترض العلم به عند الفاعل ".

القصد الجنائي هو : " إرادة ارتكاب الجريمة كما حددها القانون و هو علم الجاني أيضا . بمخالفة نواهي القانون التي يفترض دائما العلم بها ".

و يستخلص من تعريفات القصد الجنائي أنه عبارة عن انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها التي يتطلبها القانون . و للقصد الجاني هذا المعنى عناصر يتكون منها ، و صور متعددة تعبر عنه ، يفرضها ما يلي:
أولا : عناصر القصد الجنائي :
يستفاد من تعريف القصد الجنائي : " انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة " و قد أختلف الفقه حول ما إذا يكفي أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة ، أم أنه يلزم أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة و إلى تحقيق النتيجة الضارة أيضا ؟ و قد أدى هذا الاختلاف إلى ظهور نظريتين في تحديد القصد ، و هما :

العنصر الأول :انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة .

و قد أختلف الفقه حول ما إذا يكفي أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة أم أنه يلزم أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة و إلى تحقيق النتيجة الضارة أيضا ؟ و قد أدى هذا الاختلاف إلى ظهور نظريتين في تحديد القصد و هما :

* نظرية التصور :

يرى أنصار هذه النظرية أنّ القصد الجنائي يمثل حقائق النفس البشرية ، فإرادة الإنسان هي التي تدفعه إلى إتيان حركة عضلية معينة تمثل تصميمه الإجرامي سواء تحققت النتيجة أو لم تتحقق . فمتى أراد الجاني ارتكاب الفعل الإجرامي فإنه يتوافر لديه القصد الجنائي الكافي لقيام مسؤولية الجنائية كاملة، فيسأل عن جريمة عمدية في جميع الأحوال ، و سواء شبع الجاني شعوره الذي دفعه إلى ارتكاب الجريمة أم لم يشبعه . و لا فرق في نظر أنصار نظرية التصور بين القصد غير المباشر أو القصد الاحتمالي بين الفعل و النتيجة فكلاهما كاف لتوافر القصد الجنائي في الجرائم العمدية .
* نظرية الإرادة :
يرى أنصار هذه النظرية أنّ القصد الجنائي يستلزم أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل الإجرامي و أيضا إلى تحقيق النتيجة المطلوبة و علّة ذلك أنّ القصد الجنائي يتطلب توافر الإرادة لدى الجاني ، فإذا انتقت الإرادة انعدمت المسؤولية الجنائية في جمع الجرائم عمدية كانت أم غير عمدية . أمّا إذا إنعدم القصد فينفي المسؤولية الجنائية في الجرائم العمدية ، ذلك أنّ الإرادة هي أن يتعمد الجاني الفعل أو النشاط المادي ، أمّا القصد فهو أن يتعمد الجاني النتيجة المترتبة على هذا الفعل ، وترتيبا على ذلك أنّ القصد يستلزم حتما توافر الإرادة ، و لكن توافر الإرادة لا يستلزم حتما توافر القصد ، ففي الجرائم العمدية كالقتل العمدي يتوافر القصد و الإرادة معا ، و في الجرائم غير العمدية كالقتل الخطأ تتوافر الإرادة و يتخلف القصد نحو تحقيق النتيجة
و تعتبر نظرية الإرادة النظرية السائدة في معظم القوانين العقابية ، و منها قانون العقوبات الجزائري الذي لا يسوى في المعاملة الجنائية كأصل عام بين القصد المباشر الذي يستلزم انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل الإجرامي و تحقيق النتيجة الضارة و هو حال الجرائم العمدية ، وبين القصد غير المباشر أو الاحتمالي الذي يستلزم انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل الجرمي دون تحقيق النتيجة و هو الحال في الجرائم غير العمدية . 


تعليقات